في ظل التحولات الفكرية والثقافية التي تفرضها علينا العولمة والتي تتطلب تواصلاً مع جميع الثقافات والحضارات المعاصرة ضماناً لمواكبة العصر بكل ثقة في عقيدتنا ومنهجنا الرباني وبكل ثبات على فطرتنا التي هي إسلامنا حباً وامتثالاً وليس إلزاماً أو نفاقاً، وبما أننا مسلمون نستطيع أن نستوعب كل الثقافات والحضارات المعاصرة بما نملك من مساحة وحرية بل وصلاحية لكل زمان ومكان، لكن المؤسف أن ينجرف بعض الكتاب والمنظرين خلف تلك العصرنة وبكل تهور وانبهار يريدون أن نطمس هويتنا ونتنازل عن منهجنا وقداستنا، مما يؤثر على ثقافة المجتمع وكرامة الجيل المعاصر.
نحن لسنا في حاجة لأن نقف في هذا العصر لنبرئ الإسلام من بعض الإشكالات والأخطاء التي حدثت وقد تحدث من بعض المنتسبين له اسماً وستراً وليس منهجاً وتعاملاً، الإسلام بريء من مثل هذه التصرفات الإجرامية بما يحمل من حب وتعايش مع الآخر وفق إطار واضح وثابت يدعو للتواصل والتوافق ويحارب التطرف بطرفيه لا يحتمل الرجعية والزندقة وتقديس الأشخاص ولا يقبل التفسخ والانحلال والانبطاح للآخر، الإسلام دين الوسطية دين العلاقات الإنسانية والأخلاق المثالية ينبذ الإرهاب بأنواعه ويمقت العدوان والظلم بأشكاله.
إن تعميم تلك الشبهات والسلبيات وإسقاطها على العلوم الشرعية خاصة فيه فرصة لأولئك المتطفلين والمتسترين أن يجعلوا من الشريعة الإسلامية شماعة يعلقون عليها جميع الأخطاء والتجاوزات التي قد تحدث من البعض لأغراض ذاتية بحتة انتقامنا لأنفسهم أو نقمة على مجتمعهم.
إننا بكل ألم نعجب عندما نشاهد البعض من أبناء المسلمين يعيشون رهاباً إجتماعياً وتخبطاً فكرياً، يتعاطون مع الأحداث بكل عشوائية ويعممون السلبية على جميع العلوم الشرعية وعلى المتعاملين معها تعلماً وتعليماً، يزعمون أن المدارس نواة للتطرف!؟ وبيئة تنمي كراهية الآخر، وهذا تعميم خطير وفرية عظيمة نستغربها من المثقفين الذين يفترض أن يكونوا أصدق في النقل وأضبط في العرض لأنهم ليسوا في حاجة للكذب والافتراء على حساب مجتمعهم ومورثوهم، هم بذلك يقدمون خدمة جليلة لكل حاسد ومبغض لبلادنا التي هي منارة الإسلام وسوف تبقى كذلك بإذن الله، إن التركيز على هذه الفئة دون غيرها وتوجيه خطاب اللوم والاتهام مع أي حدث معاصر فيه شيء من القسوة والظلم للجهود المخلصة والمتميزة من المبدعين والقادرين على النهوض بالمجتمع وفق المنهج والسلوك المعتبر بكل خصوصية.
أي تحضر ورقي نريد ونحن نشاهد البعض من فئات المجتمع يصطادون في الماء العكر ويتهمون العلوم الشرعية ويجعلونها سبب التخلف والخطيئة مع أي حدث، بل ويخرجون بمقترحات غير منطقية من حذف وتقليص وقد يتطور عند البعض إلى محاولة إلغاء كل موروث ديني أو منهج إسلامي وبذلك تكون الساحة خالية للمنحرفين فكراً ومنهجاً لبث سمومهم وأفكارهم المنحرفة وغير المقبولة لمجتمعنا دينا أو عرفاً بحجة "الإصلاح!"
أي ثقافة يحمل أولئك وهم يتهمون ثوابتهم وموروثهم بالخلل بكل سطحية وتملق للآخر، لماذا لم تحصل مثل تلك الأخطاء والإشكالات إلا في عصرنا؟ أعتقد أن الإجابة واضحة لكل عاقل، نحن نعاني من التطرف والغلو بطرفيه، ومعالجة ذلك ليس بطمس الهوية وإلغاء المنهجية بل بالتركيز على أصحاب التطرف والانحراف الفكري من أي فئة كانت بهدف اجتثاثهم قبل تفشي خطرهم، لأن أصحاب الفكر المتطرف يجب أن يعزلوا عن المجتمع أشبه بأصحاب الأمراض المعدية والخبيثة، التعميم على الجميع دون تركيز على الشواذ من أي فئة لن يكون فاعلاً فقد يتم التلميع من الخارج استجابة للضغوط ويبقى التأثير بخبث أشد في الخفاء.
إن محاولة تقليص العلوم الشرعية وضغطها بالقدر المخل هو اتهام صريح من البعض بأن الأمة الإسلامية تعيش في خطيئة منذ بدء الرسالة المحمدية وأن المنهج الإسلامي هو سبب التأخر والتخلف عن العالم وبالمقابل نحتاج منهجا وضعيا جديداً يتوافق مع عصرنا منكرين الصلاحية لكل زمان ومكان.
لا شك أن هنالك خللاً وتجاوزاً للمنهج الإسلامي بكل سماحته ويسره ولذلك حصل وقد يحصل الخطأ من البعض، وبلادنا ولله الحمد بكل اقتدار واحتراف استطاعت السيطرة على تلك الشرذمة المتخفية والمستترة بالإسلام من المنحرفين.
نحتاج أن نقف ونتعاون جميعاً مثقفين ومعلمين وتنفيذيين في بلادنا لنكشف أولئك المتطرفين في كل مكان في المدرسة أو الجامعة أو الشارع، مع التركيز على كشف الشبهات التي يعتمد عليها أولئك المتطرفون وليس حذف وإلغاء وتقليص العلوم الشرعية التي هي بريئة كل البراءة من أفعال المنحرفين والمغرضين، بذلك نحترم منهجنا السوي وقداستنا الربانية ونعالج أخطاءنا ونصل لحلول جذرية ونتيجة مشرفة وكريمة لمجتمع آمن ومتحاب يداً واحدة لدفع عجلة التقدم والرقي.